الجمعة، 2 أبريل 2010

حسان بن يوسف ياسين

هذا الكاتب شغله الشاغل التزلف لامراء ال سعود وملوكهم وهذه عينه مما يكتب
__
الملك فيصل، الملك الصابر

عندما أتذكر حياة الملك فيصل وشخصيته الاستثنائية، لا أجد من جديد أستطيع أن أضيفه أكثر مما نعرفه بالفعل عن صفاته وإنجازاته والدور الكبير الذي لعبه في جعل المملكة العربية السعودية على ما هي عليه الآن. لكنني أستطيع أن أساهم ببعض الذكريات الشخصية، كشاب وموظف حكومي، وهي تلخص احترامي وإعجابي بهذا الرجل العملاق.
لفهم شخصية ومساهمات الملك فيصل الهائلة للمملكة علينا أن نتذكر أنه ولد قبل تأسيس المملكة العربية السعودية المعاصرة على يد والده الملك العظيم عبد العزيز. مثل إخوانه الآخرين، ساهم الملك فيصل في ولادة مملكتنا على مدى سنوات عديدة، في كل من ساحة المعركة والساحة السياسية. وكأول وزير للشؤون الخارجية في السعودية، لعب دورا مركزيا في سياسة المملكة منذ مرحلة مبكرة.
في ذلك الوقت، عمل والدي، يوسف ياسين، عن قرب مع الملك عبد العزيز والأمير فيصل، كنائب لوزير الشؤون الخارجية. أتذكر نشأتي وأنا قريب جدا من الأمير فيصل وأسرته، وشكلنا جميعا علاقات زمالة وصداقة قوية خلال حياتنا في مكة أو جدة أو الرياض.
كان الأمير فيصل شخصية أكبر من واقعه. لكن ما أذكره بقوة أكثر من أي شيء آخر كان صبره ولطفه والتزامه. وطبق الملك فيصل تلك الصفات في كل تفاصيل حياته، وجربنا نحن الشباب المتحمسين صبره بالتأكيد خلال سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين التي كانت مليئة بالنشاط السياسي.
كان العالم العربي آنذاك يمر بعدد من التغييرات والثورات، فيما كان جيل جديد يحاول أن يكتشف هويته العربية ويعبر عن تاريخ وجودنا وإلى أين كنا نتجه. كانت الجهود لكسب العقل العربي مكثفة، وكذلك كانت التدخلات الأجنبية والإيديولوجية.
في ذلك البحث عن الهوية، كنت أكثر لهفة وحماسة للتعبير عن مشاعري وأفكاري من الآخرين، وكان الأمير فيصل يستمع إلي وإلى الشبان الآخرين بصبر واحترام كبيرين. وبدلا من مناقشة صحة قناعاتنا حاول أن يعلمنا قيمة تهدئة حماسنا الشاب، وأرشدنا إلى طريق المعرفة والتعلم. وبالنظر إلى الخلف، فإن ما ساهم به لحياتي يمكن مقارنته إلى حد كبير مع النمو الناضج والتقدم الذي ساهم به الملك فيصل للسعودية.
كطالب في بيركلي في أوائل الستينيات، لن أنسى أبدا تسلمي لبرقية من ولي العهد في ذلك الوقت الأمير فيصل، وكانت تتضمن تعزية بوفاة والدي وخيارا بين العودة إلى السعودية أو إكمال دراستي في ذلك الوقت. تلك اللمسة الشخصية، أن يكرس الأمير فيصل وقتا في برنامجه المشغول إلى حد كبير كولي للعهد ووزير للخارجية، وأن يتذكرني وأنا في الخارج، أظهرت لي مدى التزام الرجل وتفكيره بالآخرين.
في رحلته التالية إلى نيويورك عام 1962 طلب مني، من خلال مستشاره الشخصي كمال أدهم ورئيس البروتوكول أحمد عبد الوهاب، أن أزوره في جناحه بفندق والدورف أستوريا. الوجبات التي تناولتها هناك مع ولي العهد وضيوفه كانت مثارا لإعجابي الشديد وتنوير فكري. من مناقشة جمهورية أفلاطون وأفكار حول العدالة الاجتماعية إلى مجرد رؤية ولي عهد مستعد للدخول في حوار مع الشباب السعودي الباحث عن خط سياسي، أظهر النقاش مدى قوة شخصيته وذكائه، وكذلك صبره واستعداده لسماع أفكار وهموم الجيل القادم.
على طاولة الملك المستقبلي دهشت لعادة مفاجئة كانت لديه عندما كان الأمر يتعلق بغذائه. أذكر أنه كان يلتقط كل تفاحة من على الطبق واحدة بعد الأخرى ويتفحصها جيدا قبل أن ينتقي إحداها. كانت لحظة طويلة من الصمت والتأمل كان خلالها الملك فيصل يتدرب على اهتمامه بالتفاصيل وصبره في اتخاذ القرار الصحيح، كما كان الوضع يتطلب منه مرارا في مسيرة المملكة.
إن المملكة العربية السعودية محظوظة إلى حد لا يصدق لأنها استفادت من حس الالتزام لدى الملك فيصل وصبره ولطفه وفكره المتقد. المؤسسات التي لدينا والحياة التي نستمتع بها اليوم تدين بالفضل الكبير لقيادته الثابتة، وحكمته، وبالطبع تفانيه الشديد من أجل الإسلام. كان اغتياله مأساويا لنا جميعا، وأبناؤه وبناته الذين بقوا بعده هم إرث ممتاز تفتخر السعودية بأنها لا تزال تستفيد منه.
* رئيس المكتب الإعلامي السعودي بالولايات المتحدة سابقا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق